أخبار المؤسسة

كلمة الدكتور يوسف نصر الله خلال الندوة الحوارية التي حملت عنوان: “صيرورة التغيير الاجتماعي يمنياً (حركة أنصار الله أنموذجا) “

كلمة الدكتور يوسف نصر الله خلال الندوة الحوارية التي حملت عنوان: “صيرورة التغيير الاجتماعي يمنياً (حركة أنصار الله أنموذجا) “

رئيس مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية

 الحديث عن التغير الإجتماعي زمن الحرب باتخاذ اليمن أنموذجا للدراسة والمقاربة والفحص والمعاينة، هو اولا حديث يجعل نظريات العلوم الاجتماعية ومقولاتها وسردياتها وأطروحاتها التي قيلت في وصف المجتمع وتحليله، تبدو قاصرة وعاجزة عن فهم وتقصير حقيقة المتغيرات الإجتماعية والهيكلية المصاحبة للمرحلة الانتقالية التي يمر بها اليمن اليوم ، وتبدو ايضا عاجزة وقاصرة عن فهم التبدلات والتحولات التي طاولت دون استثناء واقع اليمن بكل تعقيداته ومستوياته وأبعاده ، وأثرت في مركّبات البناء الفوقي والتحتي للمجتمع اليمني، بل إن هذه النظريات تبدو كمن أدركتها أعراض التشوش والبلبلة والاضطراب، وكمن أصابها الوهم والعطب ربطا بقدرة هذا الأنموذج وفق ما تكشفت عنه تجربة أنصار الله، ليس على مفاجئة المراقبين الباحثين وصدم أفق التوقع لديهم فحسب، بل أيضا على اجتراح وانتاج مفاهيم جديدة، وأنساق جديدة، ومعادلات جديدة صادمة، بلحاظ تأثيراتها ومفاعيلها على الداخل اليمني، كما على البيئة الاستراتيجية للشرق الأوسط، وعلى خارطة الأحجام والأدوار والديناميات المحركة لتفاعلاتها ولموازين القوى فيها.

ثانيا، إن الحديث عن التغيير الاجتماعي في زمن الحرب واتخاذ اليمن نموذجا ، هو حديث بالغ الصعوبة والتعقيد لسببين، لأن التغييرات الاجتماعية في زمن الحرب لا تخضع في العادة إلى قوانين ثابتة واضحة كي يصار إلى استشرافها والتنبؤ بوقائعها ، ولا تقوم على صيرورة تعتمد على التراكم الكمي الهادىء كي يصار إلى التكهن بمآلاتها ونتائجها ، فضلا عن ان زمن الحرب هو زمن من طبيعة هلامية يحيطه الغموض ، انعدام اليقين وهيمنة التحولات السريعة المفاجئة وغير المنتظرة، وأيضا لناحية (يعني هيدا السبب الثاني) أن الحرب في اليمن، ……. وهو واقع غير قادر على التسليم به ربطا بما يتصل بمصالحه في اليمن، وتاليا بدوره المحوري المؤثر في أزمات المنطقة وتفاعلاتها وربطا ايضا بما يتصل بموجبات ومقومات أمنه القومي لناحية صعود أنصار الله كقوة إقليمية، باتت أقدر من أي وقت مضى ليس على عرقلة المشروع السعودي وإزعاجه، وعرقلة سياساته فحسب بل على منع هذه السياسات وتعطيلها وتقويد مرتكزاتها أيضا، لكن مع ذلك، فإن كل هذه التعقيدات والصعوبات يفاجئك اليمن الحبيب والعزيز والسعيد، باجتراح متغيرات جوهرانية، تطول قائمتها ولكن سوف أكتفي بنشر إضاءة كاشفة ومكثفة في آن

استثمار الإنسان النموذج في حرب اليمن

 لعل أهم ما تكشفت عنه الحرب الآثمة على اليمن من متغيرات، وكان مدعاة ومثار إعجاب واستهجان واستغراب الصديق والعدو على حد سواء، هو الإستثمار بالإنسان ، صناعة الإنسان بما أفضى إليه مختبر أنصار الله، بحيث أو لناحية إعداد الإنسان اليمني إعدادا واعيا ، إعداده إعدادا صارما بنحو يجعل منه إنسانا مبادرا متوثبا مستعدا للتضحية والفداء، حاضرا في الساحات، متبنيا ومناصرا للقضايا الوطنية وللقضايا القومية الكبرى، وهو وما قد وقعنا عليه مرارا في الحشود المليونية التي خرجت وملأت الساحات انتصارا لفلسطين، كما في كل المحكّات والاستحقاقات الكبرى، رغم قسوة الحرب وشدة الحصار والقصف وسوء الوضعين الاقتصادي والاجتماعي معا، هذا الإعداد أكثر ما تجلى في أنموذج الإنسان المقاتل بصلابته بشجاعته، ببطولته بذكائه وحنكته، بقدرته على تحمل الصمود، وقدرته على الصمود وعلى المواجهة، وعلى المناورة، فضلا عن التمايز الملحوظ في إدارة الحرب وصولا إلى جلب وتحقيق النصر، وأيضا تجلى هذا الإعداد في أنموذج الإنسان المواطن بقدرته على تحمل المصاعب والمخاطر، والاستهانة بالموت والاستخفاف بالحروب وتكبد ويلاتها ، وما قد تسفر عنه من قتل وخراب ودمار ومجازر وتهجير ، فضلا عن سكينته وهدوءه وعميق ثقته بتحقيق النصر، القضية الثانية التي أود الإشارة إليها هي العناية بالبعد الثقافي، بوصفه أهم روافع التغيير وهو ما تبدى في الجهود المبذولة من قبل ما تبدى من حركة أنصار الله لإعادة إنتاج وصياغة الوعي والإرتقاء به، وإعادة تشكيله تشكيلا ثوريا مستمدا من الخزين الثوري الهائل المستمد من المشروع الإسلامي والكامن في الثقافة العربية المناهضة للظلم والمناهضة للإحتلال والمناهضة لكل أشكال الإستلاب والخضوع والإستسلام وهو ما نقع على مؤشراته في تخيُّر المفاهيم، أي بخطابهم بأدبياتهم ومحددات سياساتهم العامة ، المفاهيم المستمدة من القرآن الكريم ومن السنن الشريفة ومن الوقائع الجليلة في التاريخ العربي والتاريخ الاسلامي، وأيضا في تعظيم المشاركة الشعبية، وتفعيل اسهامها في إحداث عملية التغيير المطلوبة، وتوظيف كل منتج ميداني تتوافر عليه ساحة المواجهة، في سياق رفع وتعزيز الروح المعنوية وفي سياق تعميق الثقة بالنصر وبمشروع التحرير، وأيضا نقع عليه في إبطال كل أشكال الرهان والركون إلى الفاعل الخارجي بوصفه فاعلا خلاصيا، ويالمقابل الإعلاء من شأن الذات اليمنية والقدرات الذاتية اليمنية وأخيرا، وليس آخرا نقع عليه في إعادة الإعتبار لخاصية الإنتماء إلى الوطن، من خلال تعزيز مفهوم الإنتماء الوطني بما يتجاوز الإنتماء إلى منطقة أو عشيرة، بحيث بات الإنسان اليمني يجد نفسه أو لا يجد نفسه معنيا بالدفاع فقط عن منطقته وقبيلته وعشيرته، بل يجد نفسه معنيا أيضا بالدفاع عن كل تراب اليمن وحدود اليمن، وهو ما عكسته بأبهى صورة عملية رفد الجبهات بالمقاتلين من كل المحافظات ومن كل الأقاليم على اختلاف حساسياتهم المجتمعية.

نتائج الحرب على اليمن داخليا وخارجيا

 القضية الثالثة والأخيرة التي أود الإشارة إليها، هي أن الحرب الآثمة على اليمن قد تمخضت عن نتائج عكسية لما أراد السعودي تحقيقه ولما كان يأمل به السعودي أن يتحقق داخليا وخارجيا

  • •             داخليا: يتمثل بأمرين

 الأمر الأول يتمثل بتعزيز الشعور الوطني لدى شريحة كبيرة_أي أن الحرب أدت إلى هذا_ من اليمنيين والإرتقاء بوعيهم إلى قضاياهم المحقة، وذلك بعد أن كشفت الحرب حقيقة الدور السعودي التخريبي والإجرامي، لم تعد المملكة في الوعي الجمعي اليمني مثال الجهة الراعية لمصالحهم، على خلاف الدعاية الخادعة المغرضة التي كانت قد عمدت إلى تسويق وتظهير هذا الأمر خلال أو طوال عقود مضت، حتى. أولئك الذين كانوا يختلفون مع حركة أنصار الله بات يحدوهم الدافع الوطني إلى مواجهة العدوان السعودي الذي عاث في أرضهم فسادا وخرابا ودمارا

 الأمر الثاني أن الحرب فجرت مخزون الغضب الشعبي في اليمن حيال السياسات السعودية التي قامت منذ عشرات السنين على امتهان الذات اليمنية واستلحاقها واستتباعها والنظرة الإستعلائية حيالها، فضلا عن استغلال مواردها وقدراتها وثرواتها، لقد شكلت سيكولوجية الشعب اليمني عاملت مضادا للإنكسار العسكري، وعاملا مضادا للهزيمة، بدى أن الإحتقان الشعبي المتوارث ضد الامتهان السعودي للكرامة اليمنية قد حول الحرب إلى ما يشبه المبارزة التاريخية الكبرى بين الجانبين.

  • خارجيا:

النتائج العكسية التي حصلت خارجيا إن حركة أنصار الله التي كانت قد أطلقت حراكا تصحيحيا في العام ٢٠١٤ على خلفية استعادة السيادة الوطنية على كامل التراب الوطني، وتقويد المفوذ السعودي وإخراج اليمن من مدار التأثير السعودي والهيمنة السعودية، كانت في حينه قد اكتسبت هوية تحررية وطنية، لا يتجاوز دورها ولا تتعدى فعالية تأثيرها حدود اليمن على أبعد وأحسن تقدير في ذلك الوقت، لكن المفارقة والنتائج العكسية ظهرت ب أن الحرب الآثمة على اليمن التي شنها السعودي، بمباركة ودعم أميريكي ، وبمشاركة تحالف دولي عريض، على خلفية إخضاع اليمن وجعل هذا الإخضاع عنوان إدخال المنطقة في العصر السعودي، قد أفضت إلى ارتقاء حركة أنصار الله إقليميا، وذلك بعد أن فشلت أهداف الحرب، وانكشاف حدود القوة السعودية من جهة ، وانتقال حركة أنصار الله من الدفاع إلى الهجوم، ربطا بما استجد على خبراتها وقدراتها القتالية والتسليحية من تعزيز وتطوير ملحوظ، مكنها من إرساء معادلات ردع متبادل وتعزيز أو تشكيل أو اصطناع قواعد اشتباك جديدة جعلت الداخل السعودي جزءا لا يتجزأ من المواجهة القائمة، والحال وضعت الحرب اليمن ليس على عتبة أزمات المنطقة، بل في قلب معادلات الصراع ليصبح البوابة التي قد تنطلق منها الأمور سلبا أم إيجابا إلى كل ساحات وميادين الكِباش الدائر، بين محور المقاومة والمحور الأميركي الإسرائيلي السعودي، ما يعني أن ما يجري في اليمن اليوم لم يعد مجرد اشتباك، ولم يعد مجرد حرب بل بات أقرب إلى تحول استراتيجي تشهده المنطقة، يطول الحديث عن اليمن ، إذ أن متغيراته كثيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى