تعظيم الثقة بالله من خلال صفاته في سورة الحديد
قراءة في ملزمة السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله تعالى عليه – الآيات الأولى من سورة الحديد
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم على الرسول المسدد المصطفى الامجد المحمود الأحمد حبيب إله العالمين أبا القاسم محمد وعلى آهل بيته الطيبين الطاهرين
جعفر الزنكي البصرة الفيحاء
تمهيد
الكثير من كلمات القران الكريم يوجهنا ان نتعلم كيف نثق بالله سبحانه وتعالى؟ كيف تعظم ثقتنا بالله؟ كيف تكون ثقتنا به قوية؟
وإنّ الحديث عن نعم الله سبحانه وتعالى وبأساليب متعددة، من حيث كونها مظاهر من مظاهر حكمته، وقدرته، وعلمه، وتدبيره، ورعايته، وملكوته، وألوهيته، وربوبيته، وغير ذلك،
تساعد أيضًا على أن نعرف الله سبحانه وتعالى المعرفة التي تُعزز ثقتنا به، وحديثه سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عن ذاته في الثناء على نفسه، وما ذكره من مخلوقاته الكثيرة، باعتبارها مظاهر من مظاهر ملكوته، وأنه هو من له الملك، هو رب العالمين، هو من له نفاذ الأمر في العالمين.
ومن ذلك ما ذكره سبحانه في أوّل سورة الحديد، حيث قال:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ الحديد 1
سبّح لله: نزّهه، وشهد بتنزيهه وقدسيّته، نزّهه عن كل ما لا يليق به، عن كل نقص وعيب، عن كل ما لا يليق بكماله. فكلّ ما في السماوات والأرض يشهد بنزاهة الله، سواء من كان ينطق بذلك، أو من كان في نفسه شاهداً على ذلك.
“وهو العزيز”
المنيع الذي لا يُقهر، لا يُغلب ولا يُغالَب، هو الغالب على أمره، هو العزيز الذي يمنح من عزّته من اعتزّ به، يمنح من عزّته لأولياءه، فيصبحون كما قال عنهم:
﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ المائدة 54
“الحكيم”
فيما يصدر منه، الحكيم في تدبيره، الحكيم في هدايته، الحكيم في تشريعه، الحكيم في تصريفه لشؤون خلقه.
﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (الحديد: )2)
هو ملك السماوات والأرض، ملكُها ومالكُها. فقد يكون الإنسان في هذه الدنيا ملكًا، ثم يقع انقلاب فيصبح مطرودًا منفيًّا، ويملك غيره؛ أما الله سبحانه وتعالى، فهو الملك، وهو المالك، وهو ذو الملك الدائم، لا يزول سلطانه.
﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
كلّ شيء يريده، فهو قادر عليه. وليس هناك عبارة أشمل من قوله: وهو على كل شيء قدير ولا أوضح منها في الدلالة على أنّه لا أحد يستطيع أن يحول بينه وبين ما يريد، فهو قادر، وهو قاهر في الوقت ذاته.
﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ الحديد 3
هذا ثناء على الله، وبيان لكماله المطلق، سبحانه وتعالى
“هو الأول”
تعني أنه لا شيء قبله، لا أوّل لأوليّته. ليس هناك شيء سبقه أبدًا في الوج أن الله هو الأول، فلا شيء قبله، وهذا هو المطلوب: أن نثبت أن كل من سواه مخلوق له سبحانه وتعالى.
“وهو الآخر”
بعد فناء الأشياء
“وهو الظاهر”
الظاهر لعباده، الظاهر لمخلوقاته والقرآن الكريم أكّد هذا، إذ يذكر لنا كيف كان الأنبياء يدعون أممهم إلى الله، وأن تلك الأمم لم تكن تجادل في وجود الله، بل كانت تنازع في الوحدانية، وكانت غير مستعدة للتخلي عن آلهتها الأخرى، لينفرد الله وحده بعبادتهم، وكان الخلاف في تصديق الأنبياء لا في وجود الله، فحتى الكافرين، لم تكن مشكلتهم في الإيمان بوجود الله، كما قال تعالى
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ الزخرف 9
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ الزخرف87 وسألت هنا تعني: سألت الكافرين أنفسهم.
بل إن اهل المعرفة يقولون إن الله غرَز معرفته في نفوس عباده، من الملائكة والإنس والجن، بل قالوا أيضًا: “بل الطير والحيوانات الأخرى كلها تعرف الله”
وكل ما تراه وتشاهده في واقعك، يشهد بسبق خالقه وصانعه، في فطرتك، قبل أن تبدأ بترتيب مقدمات كلامية ومنطقية.
مقدمة:
الله سبحانه وتعالى هو أظهر من جميع مخلوقاته؛ ولذلك لم نجد في القرآن الكريم آية واحدة تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى يستخدم عبارات مثل: “أليس ذلك دليلاً على قدرتي؟” أو “أليس ذلك برهانًا على حكمتي؟” على الرغم من ذكره العميق لمظاهر قدرته وعلمه وحكمته ونعمته، إلّا أنه لم يتطرق إلى هذه العبارات. إن الله هو {الظَّاهِرُ}، وهو الذي فطر النفوس على معرفته، ولم يأتِ أحدٌ على مر العصور ليسمِّي صنمًا أو بشرًا أو شيئًا آخر باسمه المقدس “الله”. هو الإله الذي خلق السماوات والأرض، والإله الذي يعترف به كل البشر. حتى في أزمنة القبائل البدائية، ثبت أن الله سبحانه وتعالى كان معروفًا لديهم، حتى وإن كانوا في أبسط ظروفهم الحياتية.
الآية القرآنية تبرز هذا المعنى بوضوح، حيث يقول الله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (مريم: 65)، ما يعكس من خلاله أنه لا يوجد سَمِيّ لله من خلقه أو مخلوقاته. أما العبارات التي يستخدمها بعض المتكلمون في تعريفهم للغائب – مثل “قياس الغائب على الشاهد” – فهذه العبارات ترسخ في ذهن الإنسان فكرة غياب الله، وهو أمر يتنافى مع كماله سبحانه، فالله ليس غائبًا، بل هو {الظَّاهِرُ}، أظهر من كل مخلوقاته.
حتى في أعمق تأملاتنا في مخلوقات الله، نجد أن الله هو المحدث الأول لجميع هذه الظواهر، وهي في جوهرها تشهد بوجود الخالق. لكن الفطرة السليمة هي التي تؤكد أولًا على هذا الخالق، وليس مداخل الاستدلالات العقلية المبنية على ترتيب المقدمات المنطقية. الاستدلالات المنطقية يمكن أن توصلنا إلى أن هناك محدثًا، لكنها لا تستطيع الوصول إلى الإيمان بأن هذا المحدث هو الله، سوى من خلال الفطرة التي غرَزها الله في النفوس، ومن خلال ما أرسله من رسل وكتب.
وعلى هذا الأساس، فإن اسم “الله” هو الأصل الذي تستند عليه باقي أسمائه الحسنى، وكل اسم من أسمائه يأتي في مقام الثناء عليه، وتكامل فهمه، وليس من خلال استدلالات عقلية أو منطقية. على الرغم من محاولة المتكلمين جعل الفكرة العقلية تقود إلى معرفة الله، إلا أن هذه الاستدلالات تبقى قاصرة؛ لأن معرفتنا بالله تأتي أولًا عبر الفطرة التي فطر الله النفوس عليها، ثم من خلال رسله وكتبه.
الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى دليل خارجي لإثبات وجوده، بل هو موجود في فطرة كل مخلوق، والآيات القرآنية تثبت هذا المعنى بشكل قاطع.
ان الله هو الذي يدل على خلقة وليس العكس فهو القريب على عباده
في آخر سورة القيامة، يقول الله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (القيامة: 36-40). في هذه الآية، لا يمكننا أن نقول إن الاستدلال يوجه إلى الله مباشرةً؛ بل هو يوجه إلى الفعل ذاته. فمن قدر على خلق الإنسان بهذا الشكل المعجز قادرٌ على إحياء الموتى. الآية تركز على الأفعال والقدرة، وليس على استدلال يُظهِر وجود الله بشكل مباشر. الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى أي شيء كي يُستدل به عليه، فهو {الظَّاهِرُ}، أظهر من كل شيء.
هذه الحقيقة تتكرر في القرآن الكريم، كما في سورة “الغاشية” عندما يذكر الله قدرة البعث ويستدل بها على عظمة الخالق: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (الغاشية: 17-19). السؤال هنا: ما العلاقة بين الجمل وارتفاع السماء وبين البعث؟ الإجابة هي أن هذه المظاهر من قدرة الله وخلق الكون تشير إلى أن من قدر على هذا، قادرٌ على البعث، كما أن من خلق الإنسان قادرٌ على إحيائه.
لكننا كثيرًا ما نستخدم في حديثنا عن الله عبارات مثل “دل على أنه حكيم، دل على أنه قادر”، وهذه العبارات قد تكون مألوفة في أسلوبنا، ولكنها لا تتماشى مع أسلوب القرآن. في القرآن، لا يأتي الله سبحانه وتعالى ليقول “أليس هذا دليلًا على قدرتي؟”، بل يُظهر فعله، ويشير إلى أنه قادرٌ على كل شيء، ومن قدر على شيء، كان قادرًا على شيء آخر.
ونظراً لتأثرنا بالأفكار الفلسفية والمنطقية، فقد ترسخت فينا فكرة أن الله غائبٌ عنا، وأننا يجب أن نبحث عن طريق المعرفة الدينية أو الفلسفية لكي نصل إليه. لكن الله سبحانه وتعالى يذكر في القرآن الكريم، مثلما في قصة داود وسليمان عليهما السلام، أنه حاضر في كل شؤون الحياة: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (الأنبياء: 79). هذا يشير إلى أنه في كل الأمور، حتى في قضايانا اليومية البسيطة، الله حاضر وشاهد، وأنه لا يجب أن ننظر إليه على أنه غائب عن حياتنا. بل هو حاضر في كل شيء، يتدخل ويشاهد ويُوجه.
لكن الفهم الغائب عن الله الذي تبناه بعض المفكرين من خلال الفلسفة والمنطق، أدى إلى فكرة أن الله بعيد، وأن البشر بحاجة للبحث عنه. وهذا الفهم يتناقض مع ما يذكره القرآن من أن الله حاضر دائمًا في حياة البشر، يشهد على أعمالهم ويوجههم، كما في قصص الأنبياء وأحكامهم.
إذن، يجب أن نتذكر دائمًا أن الله ليس غائبًا، بل هو {الظَّاهِرُ}، الذي لا يحتاج إلى دليل للاستدلال عليه. بل هو الفاعل الأول في هذا الكون، ووجوده وشهادته هو الأساس في كل شيء.
هذا التفكر العميق الذي تطرحه في الحديث عن حضور الله سبحانه وتعالى، هو تأمل مهم في فهم حقيقة العلاقة بين الإنسان وربه في القرآن الكريم. ففي قضية بسيطة مثل قضية الزرع التي رعت فيها غنم شخص ما، يتدخل الله سبحانه وتعالى ليكون شاهدًا على حكم داود وسليمان عليهما السلام، ويُعلِّم سليمان كيف يحكم في المسألة، رغم أن داود وسليمان كانا من الأنبياء والمصطفين الذين يمتلكون العلم والحكمة. هذا يعكس حقيقة أن الله سبحانه وتعالى لا يغيب عن تفاصيل الحياة، مهما كانت صغيرة أو بسيطة. فهو دائمًا حاضر وشاهد، وهذا الحضور الإلهي لا يقتصر على الأمور العظيمة فقط، بل يشمل كل شيء.
إن استشعار هذه الحقيقة يجعلنا ندرك أن الله ليس غائبًا عن حياتنا اليومية، بل هو حاضر في كل لحظة من لحظاتنا، يشهد على أفعالنا، ويرشدنا في قراراتنا. لكن للأسف، كثيرًا ما يغيب هذا الإحساس في نفوسنا بسبب تأثيرات الفكر البشري الذي يُفكر في الله وكأننا نحتاج إلى إثبات وجوده أو أن الله قد انقطع عنا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. هذا الفهم الخاطئ يؤدي بنا إلى الانعزال عن الحقيقة القرآنية التي تكرس فكرة أن الله حاضر في كل وقت وحين، ويُشرف على كل شيء، حتى في أكثر الأمور بساطة.
حقيقة الملك هي لله تعالى
ثم يأتي الكلام عن استواء الله على العرش، وتلك الإشكالات التي تثار حول معنى “الاستواء”. ولكن يجب أن نلاحظ أن استواء الله على العرش ليس كما يظنه البعض من تفسير حرفي مادي. القرآن الكريم لا يورد مفردات إلا ولها دلالات عظيمة، وهذه الآية لا تتعلق بالراحة أو الكرسي كما في مفاهيمنا البشرية المحدودة، بل هي تشير إلى عظمة الله وحكمته في تدبيره هذا الكون الواسع. فالله، الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام، هو الذي يدبر هذا الكون من العرش الذي يشير إلى عظمته، وليس إلى راحة أو حاجة مادية كما يفهمه البعض.
إن دلالات هذه الآية يجب أن نراها في سياق عظمة الله وكمال تدبيره وحكمته في خلق الكون. والحديث عن الاستواء على العرش يجب أن يُفهم كدلالة على الهيبة والسلطان الإلهي، لا على المفاهيم المادية المحدودة التي نعرفها نحن كبشر. فالقرآن الكريم لا يستخدم الألفاظ إلا لتوجيهنا نحو إدراك عظمة الله وقدرته.
في هذا التأمل العميق حول معنى “استوى على العرش”، يمكننا أن نرى كيف يطرأ الغموض على بعض المفاهيم عندما يُحاول البعض تفسيرها حرفيًا وفقًا للمفاهيم البشرية المحدودة. لكن الحقيقة القرآنية التي يجب أن نفهمها هي أن “الاستواء على العرش” ليس إشارة إلى الجلوس المادي أو إلى مفهوم معين من “الراحة” كما قد يفهم البعض. فكما تفضلت، هذه العبارة في القرآن تتحدث عن تدبير الله لأمور الكون، وهو ما يتوافق مع مملكة الله وعظمته وحكمته.
العرش في اللغة العربية، كما ذكرت، يشير إلى السلطة والمملكة، والقرآن يستعمله بهذه الطريقة للدلالة على السيادة الكونية وتدبير الله لأمور العالم. بمعنى آخر، “استوى على العرش” يعني أن الله تبارك وتعالى ليس مجرد خالق لهذا الكون، بل هو الحاكم المدبر له، الذي لا يتركه بعد خلقه، بل يواصل تدبير شؤونه اليومية.
إضافة إلى ذلك، الآيات التي تذكر استواء الله على العرش لا تأتي لتصور الله في صورة بشرية أو مادية، بل لتسجل عظمته ومطلق سلطته. فالله، الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام، هو القادر على تدبير كل شيء فيها، وهو الذي يدير هذا الكون بكل دقة وحكمة. فالاستواء على العرش يشير إلى أنه لا يتخلى عن تدبير شؤون خلقه بعد الخلق، بل يستمر في العناية به إلى أن تنقضي الأوامر الإلهية.
هذا الفهم يجعلنا نبتعد عن التصورات المادية التي قد تُخيل لنا أن الله في مكان معين أو على هيئة معينة. القرآن الكريم يُعلمنا أن الله لا يتقيد بالمكان أو الزمان، وهو “الظاهر” و”الباطن”، أي أنه لا يُحدّ بما نفهمه نحن كبشر، لكن علمنا به وحضوره ليس غائبًا عنا. هو معنا في كل وقت، كما في قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}، وهذا يشير إلى أن حضوره ليس مقيدًا بمكان أو زمان.
الفكرة الأساسية هنا هي أن الله سبحانه وتعالى هو المتصرف المطلق في كل شيء، وهذا يعني أن تدبيره لا يتوقف، وأنه لا يغيب عن أي لحظة من حياتنا.
في هذا الحديث الواعظ والمستند إلى القرآن الكريم، يتم التأكيد على أن الله سبحانه وتعالى هو صاحب الملك والسلطان المطلق على السماوات والأرض، وهو الوحيد الذي له الحق في تدبير شؤون خلقه. هذه الحقيقة تؤكد أنه لا يجوز لأي شخص أن يتصرف في شؤون الناس دون أن يكون له شرعية من عند الله، كما أنه لا يمكن لأحد أن يتحكم في شؤون الآخرين بغير إذن أو توجيه من الله، الذي هو مالك الكون والحاكم المطلق.
من خلال التأمل في قوله تعالى {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، يظهر أن الله هو المالك الحقيقي لكل شيء في هذا الكون، وهو الذي يحق له أن يشرع للعباد ويرسم هدايتهم. وهذا ينفي بشكل قاطع أي محاولة لإنكار شرعية الله في حكمه، أو لتسويغ أي نوع من أنواع السلطة البشرية التي لا تستند إلى حكم الله سبحانه وتعالى.
السلطان الحقيقي في هذا الكون هو الله
الفكرة الرئيسة هنا هي أنه لا يمكن لأي شخص أن يتخذ السلطة على الناس إلا إذا كان هذا السلطان صادرًا من الله، وإلا فإن ذلك يعتبر تعديًا على حق الله سبحانه وتعالى. إذا كان البشر في مناصبهم لا يستطيعون السيطرة الكاملة على شؤونهم، فإن الله، الذي يملك الملك كله، هو الوحيد الذي تؤول إليه الأمور في النهاية، ولا يجوز لأي شخص أن يظن أنه قادر على التدبير دون الرجوع إلى الله.
ثم يتم التأكيد على أن “السلطة ملك الشعب” كما يُقال في بعض الدساتير العربية، هي عبارة خطيرة وغير متوافقة مع العقيدة الإسلامية، لأنها تتجاهل حقيقة أن الله سبحانه وتعالى هو صاحب الملك الحقيقي، وكل شيء يرجع إليه. وبالتالي، فإن أي حكم أو سلطة يجب أن تستمد مشروعيتها من الله ولا يجوز للإنسان أن يكون له سلطان في الأرض إلا بموافقة أو إذن إلهي.
في ختام التأمل، يُظهر المتكلم أن الله وحده هو الذي “يرجع إليه الأمر”، سواء أكان الناس في موقع السلطة أم لا. حتى في حال تصرفهم بعيدًا عن الله، فإن كل شيء في النهاية خاضع لإرادة الله سبحانه وتعالى، الذي يهيئ المتغيرات والأحداث من حيث لا يشعر البشر.
في هذا الخطاب، يتم التركيز على محاولة القوى المعاصرة فرض مفاهيم معينة على العالم الإسلامي، مثل الديمقراطية، والتي تُقدَّم على أنها بديلاً للنظام الإسلامي. الفكرة الأساسية هي أن هؤلاء الذين يروجون لهذه الأنظمة لا يفعلون ذلك من منطلق الرحمة أو النية الطيبة تجاه المسلمين، بل من أجل أهدافهم الخاصة. ومع ذلك، يُظهر الخطاب كيف أن الله سبحانه وتعالى، من خلال تدبيره للأمور، قد يهيئ حتى من خلال هذه الأنظمة فرصة للمؤمنين لتحقيق ما هو لصالحهم، رغم محاولات طمس معالم الإسلام.
يتحدث النص عن سيطرة الله المطلقة على الكون، من خلال قوله: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}. هذه الآية تمثل مظهرًا من مظاهر ملك الله الذي يدبر جميع الأمور في الكون، بما في ذلك حركة الليل والنهار، وهي تشير إلى الكمال الإلهي الذي لا يعجز عن شيء. ومن خلال ذلك، يتم تعزيز الفكرة بأن الله هو المتحكم في كل شيء، ولا يوجد شيء في هذا الكون يمكن أن يخرج عن إرادته.
ويُشير الخطاب إلى أن البشر قد يتصورون أنهم يمتلكون السلطة أو الحق في اتخاذ القرارات في حياتهم، لكن الحقيقة أن الله هو الذي يملك الملك، وهو الذي يدبر شؤونهم، ومن خلال فهم هذه الحقيقة يصبح الإنسان ملزمًا بالإيمان بالله ورسوله، وأن يلتزم بتوجيهاته في كل شيء، بما في ذلك الأمور التشريعية.
الحديث عن المال كمورد مستَخلف من الله يُعتبر جزءًا من هذا الفهم، حيث يُبين أن المال ليس ملكًا للإنسان نفسه، بل هو شيء أمانة من الله، ويجب أن يُنفق وفقًا لما يرضي الله. كما يُبيّن النص كيف أن محاولة فصل سلطان الله عن حياة الإنسان، سواء في التشريع أو في الولاية، هي إساءة عظيمة لله سبحانه وتعالى.
وفي النهاية، يُختتم الخطاب بالتأكيد على أن السلطة الحقيقية هي لله، وأن أي محاولة لتهميش هذا السلطان الإلهي أو لإعطاء الناس أو الأنظمة سلطات مستقلة عن الله، هي تحريف للأسس التي قامت عليها الشريعة الإسلامية وتعدٍ على حق الله في أن يكون هو الحاكم الوحيد.
وفي هذا الخطاب، يتم تسليط الضوء على مسألة الشرك والخروج عن سلطان الله، خصوصًا فيما يتعلق بتقديم الإنسان لشؤون الحياة وحكمه. يبدأ الخطاب بمثال من التاريخ، وهو جدال المشركين حول الميتة، وكيف أن الله عز وجل قد حسم أمرها في شريعته. المبدأ الأساسي هنا هو أن الله وحده هو صاحب الحق في التشريع والحكم على مخلوقاته، ومن يتبع غير حكم الله في أمر من الأمور، حتى ولو كان أمرًا صغيرًا مثل الميتة، فهو يقع في الشرك.
الخطاب يشير إلى أن الإنسان عندما يقبل بسلطة غير الله في اتخاذ القرارات المتعلقة بشؤون الناس أو المجتمعات، فهو بذلك يعترف بأن هذه السلطة يمكن أن تتجاوز حق الله في التشريع، وبالتالي يتحول الأمر إلى شرك. يركز على أن الشرك لا يقتصر فقط على عبادة الأصنام أو الآلهة الباطلة، بل يشمل أي موقف يقبل فيه الإنسان بحكم لا يستند إلى الله سبحانه وتعالى.
خطر الأنظمة المادية
ويحذر الخطاب من تقديم الأنظمة الديمقراطية أو أنظمة الحكم الحديثة كبديل شرعي عن النظام الإلهي، حيث يبين أن فكرة الفصل بين الدين والسياسة، أو اعتبار الحكم الإلهي “نظامًا ثيوقراطيًا” مرفوضًا، هي فكرة غريبة عن الإسلام. الله هو صاحب الحق الوحيد في التدبير والتشريع، وهو من اصطفى من رسله ليبلغوا الناس بما يرضيه. وأي محاولة لفصل الدين عن الحياة السياسية والاجتماعية هي محاولة لإنكار ملك الله على هذه الأرض.
وفي هذا السياق، يتم التأكيد على أن الله هو الملك الوحيد في هذا الكون، وأن الاعتراف بذلك يتطلب إيمانًا عميقًا بأنه وحده الذي له الحق في تدبير شؤون الناس. وعندما يعترف المؤمن بذلك، فإن ذلك يعزز ثقته في الله ويرسخ إيمانه بأن الله هو من يملك حق التشريع وأنه لا يمكن لأي أحد آخر أن يتدخل في هذا الحق.
الخطاب يختتم بالتأكيد على أهمية الثقة بالله وفهم عميق لمفهوم ملك الله، مما يدعو المسلمين إلى العودة إلى فهم حقيقي لسلطة الله والتمسك بما أنزل من تشريع، بدلاً من الانصياع للأنظمة أو القوانين التي لا تستند إلى شرع الله.