مقالات وبحوث

بسم الله الرحمن الرحيم

اللَّهُمَّ وَارْزُقْنِي طَلَبَ ثَأْرِي…

جعفر الزنكي البصرة الفيحاء
١١- محرم – ١٤٤٧

تمرُّ علينا أيامُ عاشوراء كلَّ عام، وتحمل معها مشاعر الحزن والأسى على مصاب الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه، الذين قُتلوا ظُلماً وعدواناً على يد طغاة بني أميّة. وفي خضمّ هذه الأيام، لا يكاد يخلو مجلسٌ من تلاوة زيارة عاشوراء، هذه الزيارة التي لا تُعدّ مجرد كلمات نقرؤها، بل هي منهج حياة، وبيان موقف، وعهدٌ متجدِّد بالولاء والبراءة.

ومن أبرز ما تتضمّنه زيارة عاشوراء هذا المقطع العميق والمعبّر:
اللَّهُمَّ وَارْزُقْنِي طَلَبَ ثَأْرِي مع امام منصور – مَعَ الإِمَامِ الْمَهْدِيِّ (عَجَّلَ اللَّهُ فَرَجَهُ)- مِنْ أَهْلِ بيت محمد صلى الله عليه واله.

نقرأ هذا الدعاء، ونكرره بدموعنا وقلوبنا، ولكن هل سألنا أنفسنا بصدق: من هو عدونا اليوم؟ ممن نطلب الثأر؟ وهل نحن فعلاً في موقع السائرين نحو تحقيق هذا الطلب؟

الثأر: ليس حقدًا، بل موقف حق

علينا أولاً أن نفهم أن طلب الثأر في ثقافة كربلاء ليس دعوة للانتقام الأعمى، بل هو تعبير عن التزام دائم بالحق، ورفض دائم للباطل. الإمام الحسين (عليه السلام) لم يخرج ليُقتل، بل خرج ليُصلح أمة جدّه، ويواجه الظلم والانحراف في الحكم، وليقيم الحجة على الناس. فكان دمه الطاهر صوتًا هادرًا في وجه كل طاغية، وكل من يسير على نهج يزيد.

والثأر من هذا الظلم لا يعني الاقتصاص من يزيد والشمر وعمر بن سعد بأشخاصهم، فهم هلكى وذهبوا إلى مصيرهم، لكن الثأر الحقيقي هو من كل من يحمل فكرهم، وينهج طريقهم، ويُعيد إنتاج ظلمهم وظلالهم.

يزيد العصر: من هو؟

يزيد الأمس كان حاكمًا طاغية يقتل الأبرياء من أجل تثبيت سلطته. أما يزيد اليوم فهو منظومة كاملة من الطغيان، من الأنظمة الفاسدة، من دول الاستكبار العالمي، وعلى رأسها أمريكا و”إسرائيل”، التي ما فتئت تعيث في الأرض فسادًا، تقتل الشعوب، تدمر الدول، تسرق الثروات، وتدعم الأنظمة الديكتاتورية.

في كل صاروخ يُطلق على غزة، في كل قنبلة تُلقى على اليمن، في كل دعمٍ للاحتلال والظلم والاستعمار، نرى بصمة يزيد العصر.
وفي كل صمت عن هذه الجرائم، وكل تواطؤ مع الطغاة، نرى ظل الشمر وعمر بن سعد من جديد.

لذا فإننا حين نقول: اللهم ارزقني طلب ثأري، فنحن لا نُجدد فقط الحزن على كربلاء، بل نُعلن انحيازنا إلى خط الإمام الحسين (عليه السلام)، ونُحدّد بوضوح أننا ضد كل من يقف في صف أعداء الله والإنسانية.

هل نحن أهل لهذا الدعاء؟

السؤال الأهم: هل نعيش فعلاً حالة طلب الثأر الحسيني؟ هل نحن في موقع المواجهة مع يزيد العصر؟
أن نطلب الثأر يعني أن نكون على استعداد للتضحية، للعمل، للموقف، للصبر، للتربية الحسينية، للتبصُّر في الأحداث.
أن نطلب الثأر يعني أن لا نهادن الظالمين، ولا نقبل الذل، ولا نكون على هامش قضايا الأمة.

الثأر ليس فقط بندقية، بل فكر، ووعي، وموقف. أن تُربي أبناءك على نهج الحسين هو ثأر. أن تدعم محور المقاومة هو ثأر. أن ترفض التطبيع هو ثأر. أن تقف مع المظلومين هو ثأر.

انتظار القائم (عج): انتظار الحاضر لا الغائب

حين نختم هذا المقطع بالدعاء أن يكون طلب الثأر مع الإمام المهدي (عج)، فإننا نُعبّر عن تطلعنا لدولة العدل الإلهي التي ستُقيم الحق، وتُنهي عهد الطغيان. ولكن لا يعني هذا أن ننتظر الإمام (عج) بيدين مكتوفتين، بل أن نُهيّئ أنفسنا، وبيوتنا، ومجتمعاتنا، لكي نكون من جنده الحقيقيين.

الإمام لن يظهر بمجتمعٍ مُتخاذل، أو أمةٍ نائمة. بل سيظهر حين يوجد من يقول: “هيهات منا الذلة” لا بالكلام فقط، بل بالفعل والموقف.

في الختام

إن تكرارنا لهذا الدعاء في زيارة عاشوراء:
“اللهم ارزقني طلب ثأري…”
ليس مجرد شعور بالظلامة، بل هو دعوة للاستيقاظ، وللتحوّل إلى جنود في معسكر الحسين (عليه السلام)، بمقدار وعينا، واستقامتنا، وصدقنا مع الله.

فكل من يقف في وجه أمريكا، و”إسرائيل”، والظلم، والفساد، والخذلان، هو شريكٌ في طلب الثأر.
وكل من يصمت، أو يهادن، أو يبرّر، فهو في خندق بني أمية، شاء أم أبى.

نسأل الله بحق الحسين وأصحابه، أن يجعلنا من الطالبين بثأره، على نهجه، ومع قائم آل محمد (عج).
والحمد لله ربّ العالمين.

جعفر الزنكي البصرة الفيحاء
١١- محرم – ١٤٤٧

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى