الشيخ مصطفى الأنصاري… بوصلة الحقيقة وشعلة النقاء

جعفر الزنكي
البصرة الفيحاء
في زمنٍ كثر فيه الغبار وتكاثرت فيه الأصوات، يظلُّ البعض كالنجم الثابت، لا تحجبه السحب ولا تطفئ نوره رياح الفتنة. ومن هؤلاء النُّخب النادرة في عالم الفكر والدين، يبرز اسم الشيخ مصطفى الأنصاري بوصفه واحدًا من كنوز المذهب، لا من حيث العلم وحده، بل من حيث الروح الطاهرة، والبصيرة النافذة، والشجاعة النادرة.
الروح الطيبة والعلم الدفّاق
الشيخ الأنصاري ليس مجرد رجل علم، بل هو مدرسة روحية متكاملة. من يعرفه عن قُرب، أو تتبّع مسيرته، يرى بوضوح أثر العارفين، ونفَس الربانيين، وصفاء القلب الذي قلّ نظيره. ليس في حديثه تزويق الكلام، بل صدق العارف، وحرارة الهمّ، وحرص المربّي. وهذا ما جعل له مكانة خاصة في قلوب السالكين والباحثين عن الحقيقة.
أما في جانب العلم، فقد أودع الله تعالى في هذا الشيخ علماً دفّاقاً يتدفّق كالنهر الصافي. فهو موسوعي الاطلاع، غزير الإنتاج، دقيق الفهم، جامع بين العقل والنقل، وبين العمق الأصولي والحس التربوي، وبين فقه النص وروح المقاصد. لا يغوص في مسألة إلا وأضاء جوانبها، ولا يعالج قضية إلا بعقلية مؤسِّسة لا مقلِّدة، تحترم التراث دون أن تتكلس فيه.
بُعد نظرٍ جلي وشجاعة نادرة
في مواقف كثيرة، كان الشيخ مصطفى الأنصاري ممن يرون ما لا يراه غيرهم، ويصدح بما لا يتجرأ عليه كثيرون. صمته إذا صمت حكمة، وكلامه إذا تكلّم ميزان. في زمن التباس المواقف وتشويش الرؤى، كان يمثّل بوصلة الحقيقة، لا يلهث وراء رأي الجماعة، بل يسير حيث تأخذه قناعته المبنية على نور البصيرة والعقل والشرع.
لقد وقف مواقف جريئة في وجه الغلو والجمود، ونبّه إلى أخطار التوظيف السياسي للدين، وانتصر للفكر الرسالي النقي، ودافع عن المظلومين والمنسيين، وكان صوته امتداداً لأصوات الأئمة الأطهار (عليهم السلام) الذين ما توانوا يوماً عن قول الحق مهما كلّفهم الثمن.
ردّ الشبهات: حين يُساء فهم الكبار
في الآونة الأخيرة، صدرت عن بعض الجهات أو الأشخاص محاولات لتشويه صورة الشيخ الأنصاري، عبر اجتزاءات أو تحريفات أو إسقاطات لا علاقة لها بحقيقة الرجل. ولعلّ ذلك يُعدّ ظاهرة طبيعية تواجه كل من يضيء شمعة في العتمة، ويحرّك ركوداً طال أمده. فالطعن بالأنقياء عادة قديمة، لا تضرّهم بقدر ما تكشف خواء الطاعنين.
إن من يطالع فكر الشيخ بإنصاف، ويتأمّل كتبه ومحاضراته وحواراته، يجد فيه عقلاً نقدياً مؤمناً، وقلباً يخاف الله، ولساناً صادقاً لا يعرف التملّق ولا المجاملة. فهو لا يُقصي المخالف، ولا يُخوّن المختلف، بل يسعى لفهمه، ويجادله بالحسنى، ويحتكم إلى موازين العلم والعدل.
الشبهات المثارة حوله – سواء تعلّقت بمواقفه أو عباراته – مردودٌ عليها أولاً بسيرته، وثانياً بسياقات كلماته، وثالثاً بمواقفه التي لا يمكن أن تصدر إلا عن رجلٍ تقيٍّ بصير. ومن العار على من ينتسب إلى العلم والدين أن ينزلق في مستنقع الطعن والتشويه، لا لشيء إلا لأن هذا العالم لا يوافقه في رأي أو لا يخدم مصالحه.
الحفاظ عليه أولوية عند الشرفاء
إن وجود أمثال الشيخ مصطفى الأنصاري في هذا الزمن المضطرب هو نعمة من نعم الله على الأمة، وهو من المصاديق الحيّة لقوله تعالى:
{فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ}.
فالحفاظ عليه، وعلى أمثاله من المصلحين، ليس مجرّد واجب عاطفي، بل مسؤولية شرعية وفكرية، تقع على عاتق الشرفاء من أبناء المذهب والأمة.
يجب أن نُحسن الظن بأهل الفضل، وأن نتثبّت في ما يُقال عنهم، وأن ندرك أن من يرفع لواء الإصلاح لا بد أن يُبتلى، وأن الغربلة لا تعني إسقاط الرموز، بل التمييز بين الغث والسمين، وهو ما اجتازه الشيخ بجدارة.
خاتمة
الشيخ مصطفى الأنصاري هو منارات هذا الزمان، يُضيء الطريق حين يشتد الظلام، ويُحسن التوجيه حين تتداخل الأصوات. الطعن فيه لا يُنقص من مكانته، بل يكشف عن حرج المتربّصين، وعمى بعض المترصدين. أما هو، فماضٍ في دربه، لا يلتفت إلى صدى القيل والقال، لأنه مشغول بصوت الحق، وصوت الله، وصوت الضمير.
فسلامٌ على من أخلص، وصبر، وعلّم، وأرشد. وسلامٌ على من جعل من عقله جسرًا للهدى، ومن قلبه موئلًا للصفاء.
⸻
جعفر الزنكي البصرة الفيحاء
١٩-٧-٢٠٢٥



