مقالات وبحوث

الإسلام الأصيل هو طريق النصر على إسرائيل السيّد الخامنئي نموذجًا

جعفر الزنكي البصرة الفيحاء

في زمن الارتباك بين الهويّات، وتداخل الأصوات بين الغرباء والأصلاء، يبرز في ذاكرة الأمة الإسلامية صوتٌ واحد بقي ثابتًا لا يهادن، صلبًا لا ينكسر، يمشي على خطى الأنبياء بثقة الواصلين، هو صوت السيّد علي الحسيني الخامنئي، الذي لم يكتفِ بالتنظير لمواجهة الكيان الصهيوني، بل جسّدها في كل سطر من سطور حياته، وفي كل مفصل من مفاصل التاريخ الحديث.

من رائحة الكتب إلى رائحة البارود


في أزقة مشهد القديمة، وبين جدران الحوزات، نشأ شاب هادئ الملامح، عميق النظرة، يُمسك بكتاب التفسير بيد، ويُدوّن ملاحظاته على كتب الفقه والفكر بيد أخرى. لكن قلبه كان يعرف أن الإسلام ليس فقط محرابًا ودرسًا، بل هو مشروع حضاري ونهضوي ومقاوم.
منذ شبابه، أدرك السيد الخامنئي أن الإسلام الأصيل هو الإسلام الذي يواجه الطغاة، لا يُصالحهم، يُدافع عن المستضعفين، لا يُهادن الظالمين. ولهذا لم يتردد في التصدي لنظام الشاه، ولم يخشَ زنازين السافاك ولا التعذيب ولا النفي.

روح الثورة في قلب الوليّ

حين تفجرت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، كان السيّد الخامنئي في صميمها، لا على هامشها. لم يكن مجرّد خطيب يلهب الجماهير، بل كان عقلًا منظمًا، وروحًا مقاتلة. وحين اشتعلت الحرب المفروضة، كان أول من حمل السلاح وارتدى البندقية، لا ليسجل بطولة شخصية، بل ليؤكّد أن الإسلام الذي ينتمي إليه ليس شعارات تُرفع، بل دماء تُسفك من أجل الحق.

ومع توليه مسؤولية القيادة العليا بعد رحيل الإمام الخميني (قده)، لم يرث فقط منصبًا، بل ورث مسؤولية حفظ الإسلام الأصيل في زمن الفتن. وكان أول ما شدّد عليه هو أن إسرائيل كيان غاصب، لا شرعية له، ولا مكان له في مستقبل الأمة الإسلامية.

فلسطين.. بوصلته التي لا تحيد

منذ اليوم الأول لتوليه القيادة، لم تغب فلسطين عن خطاباته ولا عن استراتيجياته. في كل مناسبة، كانت القضية الفلسطينية حاضرة، لا كقضية قومية أو عربية، بل كقضية إسلامية مركزية، تمثل جوهر الصراع بين الحق والباطل، بين الإسلام الأصيل والإسلام الأميركي.

رأى السيد الخامنئي في المقاومة الفلسطينية واللبنانية امتدادًا طبيعيًا لخط الولاية، فكان أول من احتضن حركات المقاومة، ودعمها بالمال والسلاح والرؤية. لم يكن ذلك تفضلاً، بل التزامًا بمبدأ قرآني: “وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر”.

الإسلام الأصيل يصنع الانتصارات

ولأن الخط الذي قاده كان نابعًا من صميم الإسلام المحمدي، جاءت الانتصارات:
• في لبنان 2000: انهزم الجيش الذي لا يُقهر أمام حفنة من المؤمنين.
• في حرب تموز 2006: تحطّمت غطرسة الكيان الصهيوني أمام صبر رجال الله.
• في غزّة 2009، 2012، 2014: فُرضت معادلات جديدة، وكانت المقاومة هي التي تملك زمام المبادرة.
• واليوم، في حرب طوفان الأقصى، تُكتب معادلات النصر بدماء المقاومين، وتُقرأ بلغة إيرانية الصياغة، إسلامية الروح.

يوميات الانهيار الإسرائيلي.. وصدى الإسلام المقاوم

في هذه الأيام، وبينما تسقط القنابل على غزة، وتتساقط معها أسطورة الردع الصهيونية، تقف إيران – قيادة وشعبًا – كجدار الصد الأول عن كرامة الأمة.
هجمات المقاومة لم تتوقف رغم مرور الشهور. والضربات النوعية باتت تُطال عمق الكيان، من تل أبيب إلى حيفا. الطائرات المسيرة، الصواريخ الدقيقة، حرب الأنفاق، وتكتيكات حرب العصابات، كلها أدوات صنعتها يد العقيدة، لا فقط يد التقنية.

ولم يكن الدور الإيراني مجرد دعم عن بعد، بل حضور استراتيجي مباشر:
• دعم لوجستي واستخباراتي للمقاومة.
• رسائل ردعية لقادة الاحتلال عبر البحر الأحمر والجولان واليمن ولبنان.
• ودور محوري في تحويل غزّة المحاصَرة إلى جبهة تُرهق واحدة من أقوى جيوش العالم.

وفي خضم هذه الحرب، بات واضحًا أن من كان يُسمّى “مرشد الثورة الإسلامية” في طهران، صار اليوم يُعرف في أروقة الغرب بأنه “عقل محور القدس، ومرشد معادلات النصر”.

السيد الخامنئي.. رجل المستقبل الإسلامي

لم يكن السيد الخامنئي مجرد زعيم سياسي، بل كان مُرشدًا روحيًا لصناعة النصر. آمن بالشباب، فأسّس جيلاً من القادة المجاهدين، آمن بالعلم فحوّل إيران إلى قوّة تكنولوجية عسكرية، آمن بالكرامة فرفض أي مساومة مع الأعداء، مهما عظمت المغريات.

إنّ نصر الأمة لا يولد من التنازل، بل من الثبات، ولا من الإسلام المشوّه، بل من الإسلام الأصيل. هذا ما جسّده السيّد الخامنئي في شخصه، وما بناه في أمته، وما نراه اليوم على الأرض المحتلّة، حيث يتحطم المشروع الصهيوني أمام محور الإيمان، لا محور التسوية.

خاتمة: بين الكربلاء والقدس

في عالمٍ تتغير فيه المبادئ بسرعة الضوء، بقي السيّد الخامنئي ثابتًا على قبلة واحدة: القدس.
وفي زمانٍ تخلّى فيه كثيرون عن فلسطين، بقي صوته يرتفع في كل مناسبة:
“إسرائيل زائلة لا محالة، وسيرى أهلها اليوم الذي لا تكون فيه موجودة”.

إنّ الإسلام الأصيل الذي رفعه السيد الخامنئي ليس خطابًا، بل طريقًا للنصر، وحقيقةً تصنع التاريخ.
وإذا كان هذا الطريق محفوفًا بالأشلاء والدماء، فإنّ نهايته هي النصر الذي وعد به الله عباده الصادقين.

جعفر الزنكي – البصرة الفيحاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى