مقالات وبحوث

تجلّياتُ شجاعةِ أبا الفضل العبّاس في شبابِ المقاومة

جعفر الزنكي البصرة الفيحاء

في كلّ زمانٍ تتكرّر فيه معادلةُ الحقّ والباطل، ينهضُ رجالٌ من طينةِ البطولة ليكتبوا التاريخ بدمائهم، كما كتبهُ أبا الفضل العبّاس (عليه السلام) يوم الطفّ، حين ارتقى سلّمَ المجد من بابِ الفداء والإيثار. واليوم، وفي ظلّ المواجهة الكبرى التي تشهدها فلسطين المحتلّة، حيثُ يسطّرُ المجاهدون أروعَ صورِ الصمود، نشهدُ تجلّياً جديداً لتلك الشجاعة العبّاسية، في وجوهِ شباب المقاومة الذين اغترفوا من قربة العبّاس، لا ماءً، بل عزيمةً، ولا رايةً فقط، بل عهداً لا يخون.

فلسطين ومقاومة لا تنكسر

منذ عقودٍ وأرضُ فلسطين تئنُّ تحتَ وطأةِ الاحتلال، لكنّها – في كلّ معركة – تُفاجئ العالم بإرادةِ شعبها ومقاتليها. في غزّة، تلك البقعة الصغيرة المحاصرة، صمد المقاومون صموداً أسطورياً لا يُصدّقه العقل، ولكنّه يُجسّد ما لا يمكن إلّا أن يكون إرثاً من عاشوراء. مقاتلون حفاة، محاصرون، بلا غطاءٍ جوّي، يواجهون أقوى ترسانةٍ عسكرية في المنطقة، ويُفشلون الغزاة في كلّ معركة.
ذلك الصمود، لا تفسير له إلّا في انتماءٍ عقائديٍّ عميق، وروحٍ استسقت من نبع كربلاء، وتحديداً من قامةِ العبّاس بن عليّ (عليه السلام)، الذي حملَ الراية وهو يعلم أنّ لا بقاء له، ولكن لا هزيمة أيضاً.

الشيعة والمقاومة: مدرسةُ العبّاس

في ايران, لبنان، العراق، اليمن، البحرين وفي بقاعٍ كثيرة من الأرض، برز الشباب الشيعي المقاوم كنموذجٍ للثبات في وجهِ الطغيان، حاملاً سيف الكرامة بيد، وراية العبّاس باليد الأخرى. أولئك لم يروا في العبّاس مجرّد بطلٍ من الماضي، بل قدوةً حاضرة، ودمه في عروقهم يجري على هيئةِ تضحية.

حين وقف العبّاسُ على نهرِ الفرات، كان بإمكانه أن يشرب، لكنه تذكّر عطشَ الحسين وأطفاله، فاختارَ أن يُروِيَ القيم لا الجسد. وكذلك يفعلُ شباب المقاومة، يقدّمون أرواحهم ليروي الوطن، ويُضحّون براحتهم ليحيا الناس. إنّهم أبناء قربةِ العبّاس، لا يطلبون من النصر إلا وجهَ الله، ولا من الحرب إلا الكرامة.

بين عاشوراء وغزّة

في كلّ مقاتلٍ يقف خلف سلاحه في أنفاق غزّة، أو في خندق جنوب لبنان، نلمح شيئاً من العبّاس: في عينيه بريق الإيمان، وفي قلبه يقينُ النصر، وإن تأخّر. يذهبُ للميدان وهو يعلم أنّ العودة قد لا تكون، لكنّها ستكون – إن كانت – مكلّلةً بكرامةٍ إلهيّة، كتلك التي نالها سيّدنا العبّاس.

غزّة اليوم، وإن كانت سنّية الانتماء بالمجمل، لكنّ دماء الشيعة فيها من خلال محور المقاومة، وروحهم الحاضرة في دعمها، جسّدت وحدة الدم والعقيدة. فقد صار العبّاسُ نهجاً يُتَّبع لا مذهباً فقط، وصارت شجاعته ملهمةً لكلّ من أراد الوقوف بوجه الطغيان.

الختام: العبّاس حيّ في شبابنا

ما أشبهَ اليوم بالأمس، وما أصدقَ قوله:

“إنّي أحامي أبدًا عن ديني، وعن إمامٍ صادق اليقين”

هذه ليست أبياتاً على جدار، بل صدى صواريخ تُطلق في وجه الاحتلال، وأنفاق تُحفر في صمت، وشبابٍ يقبلون على الموت كأنّه لقاءُ الأحبّة.

كلّ من اغترف من قربةِ العبّاس، لا يظمأ في ميادين الجهاد. وكلّ من حمل رايته، لا يُهزم، ولو قُطعت يداه.

جعفر الزنكي البصرة الفيحاء
٢-٧-٢٠٢٥
ليلة السابع من محرم ١٤٤٧

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى