مقالات وبحوث

وهنُ الأمة بين صُلحِ الإمام الحسن عليه السلام وجراحِ فلسطين اليوم

جعفر الزنكي البصرة الفيحاء
٧-صفر ١٤٤٧

عندما نتأمل حال الأمة اليوم، نراها تشكو من وهنٍ عميقٍ أصاب قلوبها قبل أبدانها، أفقدها القدرة على الحسم، والشجاعة على المواجهة، وجعلها متفرّقة، متردّدة، تستجدي حقوقها من خصومها، وقد حذر النبي ﷺ من هذا الداء حين قال:
“ولكنكم غثاء كغثاء السيل… وليقذفنّ في قلوبكم الوهن.”
قالوا: وما الوهن؟
قال: “حبّ الدنيا وكراهية الموت.”

وليس في التاريخ من شاهدٍ أقرب وأوضح على هذا الوهن من اللحظة التي عاشها الإمام الحسن بن علي (عليه السلام)، حين قرر الصلح مع معاوية، في مشهدٍ لا يدل على ضعفٍ من الإمام، بل على قوة الوعي في زمنٍ غلب فيه الجهل، وانهار فيه الصبر، وذابت فيه إرادة الأمة.

الإمام الحسن والوهن السياسي والاجتماعي

عندما اغتيل أمير المؤمنين (عليه السلام)، كانت الأمة في حالة من التمزق والفتور، وتسلل النفاق من كل باب، وصار الناس لا يرون في الجهاد وسيلة للكرامة، بل عبئًا يثقلهم، وخطرًا يهدد مصالحهم.

ورث الإمام الحسن هذه الحالة، وجاءه الناس يبايعونه، لكنّهم بايعوه بألسنتهم لا بقلوبهم، كما قال هو بنفسه:

“ما بَيّعتني قلوبُهم، وإنما بايعني ألسنتُهم، ويدُهم مع معاوية، وسيوفهم مشهورةٌ عليّ.”

لم يكن في وسع الإمام أن يُغامر بدماء القلة الصادقة ويترك الأمة تُستأصل. لقد رأى أن الصلح -رغم مرارته- أهون من انكسار نهائي للحق في واقع الأمة. لقد أراد أن يحفظ البقية الصالحة للمعركة الآتية، التي ستُكمَّل في كربلاء، ثم في كل صرخة حرة على مدار التاريخ.

وهن الأمة وانعكاسه على فلسطين

اليوم، ما أشبه الليلة بالبارحة…
• أمة تنظر إلى فلسطين لا بعين الواجب، بل بعين العجز.
• حكام يوقّعون “صلحًا” مع العدو، لا بعين التقية، بل بعين التبعية.
• شعوب تكتفي بالبكاء، وتخاف أن يُقال عنها “إرهابية” إن نصرت الأقصى.
• سيوف الأمة معلقة على الجدران، وخيراتها تُنفق لحماية عروشها، لا كرامتها.

إن صلح الإمام الحسن (عليه السلام) كان صلح القائد الواعي في زمن الوهن الجماعي، أما صلح اليوم فهو استسلام الجبناء في زمن تتوق فيه الشعوب إلى المقاومة!

هنا الفرق بين من صبر ليبني وعياً للمستقبل، وبين من باع شرفه ليسترضي الطغاة.

دروس من الإمام الحسن للأمة في زمن فلسطين

  1. الصلح لا يكون خيانة إلا إذا كان طعنًا في ظهر الحق. أما حين يكون لحماية البقية الصالحة من الاستئصال، فذاك موقف وعي، كما فعل الحسن (ع).
  2. الأمة المريضة لا تقيم نهضةً، ولا تنصر مظلومًا، ولهذا بدأ الإمام مشروعه في إصلاح القلوب والعقول، قبل ميادين الحرب.
  3. السكوت عن الظالم يُمكّنه، كما سكوت أهل الكوفة مهّد لتمكين معاوية، واليوم سكوت بعض المسلمين مهّد لتهويد القدس.
  4. لا معنى للمقاومة بدون وعي، ولا للوعي بدون تضحية. وهذا ما جمعه الحسن (ع) في صموده، وورّثه لأخيه الحسين (ع) في ثورته.

إذن، كيف نواجه وهن الأمة في زمن فلسطين؟
• نعود إلى عقيدة الإمام الحسن في الوعي والصبر والبصيرة.
• نربي أجيالاً تكره الذل وتحب الشهادة، لا أجيالاً تحب المناصب وتخاف من الكلام.
• نُسمّي الأشياء بأسمائها: الصلح مع العدو خيانة، إلا في مواضع التقيّة المشرّعة، كما فعل المعصومون.
• نثق بأن الحق لا يموت، لكنه يحتاج أنصاره الأوفياء.

الخلاصة

الإمام الحسن عليه السلام لم يهزم، بل انتصر حين كشف زيف الأمة المهزومة من داخلها. واليوم، فلسطين لا تحتاج فقط إلى صواريخ، بل إلى أمة صادقة مع نفسها، تعرف أن الوهن ليس قدَرًا، بل مرض يُعالج بالإيمان، والبصيرة، والتضحية.

فهل نكون ممن يعالجون هذا الداء، كما فعل الحسن؟ أم ممن كانوا سببًا في انتشاره، كما فعلت الأمة من قبله؟

جعفر الزنكي البصرة الفيحاء
٧-صفر-١٤٤٧

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى